الثلاثاء، 20 يناير 2009

مبدعات - الشاعرة الصحفية آمنة عبد العزيز












آمنة عبد العزيز
شاعرة وصحفية


الجنون أسمه رجل !

لم يكف عن ملاحقة روحي بروحه..
يطاردني عبر المسافات الآتية
بصوته القلق المتلهف بعناد طفولي..
يشعلني بثلوجه يطفأني بحتراقاته..
يدللني بين المسميات للحظه..
تغضبني كل لحظاته..
أقسم به ماعدت أطيقه أمقته..
يضحك في غضب كم تحبيني..
أبتسم من بين شفاهي المملؤة
بمتناقضاته..
يشكك في أنتمائي له..
يرجوني أن ألبــــس قيده..
وأهرب منه أليــــه..
أعبر أزمنتي حالمـــــة..
ألملـم أجزائه المتكسرة شوقآ..
ويقول لي بعثريني...
خذيني ألى عالمــك المجهول..
أياك أن تتجاهليني..
أصمت وعنادي يملؤني..
وأغادره..أليـــــــه..
يستفز دواخلي تتلاطم
أمواج صبري..
ويسألني أليك خذيني..
أيتها الأنــسية جنوني بك
يضحكني يبكيني..
صعب هذا الرجل (الجنون)..
يسكن بين أحرف كتاباتي
الحقيقة..
ويسألني أجيبيني...

شعرية التضاد في نصوص آمنة عبد العزيز


لا شك أن غاية ما يطمح اليه شاعر أن تكون لديه لغته الممهورة ببصمته ، الدالة عليه ، التي ستكون جواز مروره الى ذاكرة القراء ، وحجز مقعد متميز في رواقها. وهذا لا يتأتى بسهولة ، لآنه مشروط بامتلاك الموهبة فضلا عن الصبر في المران والدربة والمغامرة والمثابرة.
وفي سياق اهتمامنا بالأدب النسوي استحوذت على اهتمامنا شاعرة عراقية مبدعة ، استطاعت الشاعرة
آمنة عبد العزيز أن تضع قدما راسخة في هذا الطريق ، اذ طورت أسلوبها الشخصي ولغتها وقاموسها الشعري الذي لا يصلح الا لها.
تطور آمنة مجموعة من التقنيات اللغوية لبناء جملتها الشعرية ، لعل أبرزها وأكثرها هيمنة على لغتها اعتمادها على شعرية التضاد بطريقة لافتة، فهي تدهش قارئ نصوصها بضدياتها الغريبة وغير المتوقعة :

يشعلني بثلوجه يطفئني باحتراقاته..
يدللني بين المسميات للحظه..
تغضبني كل لحظاته..
أقسم به ماعدت أطيقه أمقته..

هذا المقطع من (
الجنون اسمه رجل) يقدم نموذجا لأسلوب آمنة المعني بحديثنا، ففي السطر الأول تكون جملة شعرية تستمد جمالها من بنية تشكيلية تعتمد التضاد أساسا، فهي أولا مكونة من تضاد (يشعل × ثلوج) و(يطفئ × احتراق) ، فتضعنا أمام ثنائيتين ضديتين ،و لكن لابد لنا أن نلاحظ العدد غير المتوقع من الثنائيات التي تتضمنها هذه الجملة القصيرة:
ثنائية (يشعل × احتراقات)

ثنائية (يطفئ × ثلوج)
ثنائية (يشعل × يطفئ)
ثنائية (ثلوج × احتراقات)
ثنائية التوازي ((يشعلني بثلوجه)=(يطفئني باحتراقاته))
الثنائية المركبة (فعل×اسم) × (فعل×اسم)

من المهم أيضا أن نلاحظ أن بناء التضاد هنا لم يتم باستخدام الضد الحقيقي للكلمة بل تلجأ آمنة الى استخدام مضاد استعاري ، فضد كلمة يشعل هو يطفئ بينما ادخرت الشاعرة هذا الفعل لبناء تضاد آخر وستعملت كلمة ثلوج ، ومثل هذا في الجزء الثاني من الجملة .
ويتضح في هذا المقطع أيضا وعي الشاعرة بايقاع لغتها، ففي الجملة:

أقسم به ماعدت أطيقه أمقته..

يمكن أن نلاحظ أن كلمة (أمقته) يمكن الاستغناء عنها لأنها ليست الا تأكيدا لمعنى (ما عدت أطيقه) ، غير أن للكلمة دور صوتي إيقاعي في غاية الأهمية لبناء الإحساس بجمال الجملة ، فحروف الكلمة كلها موجودة في (ما عدت أطيقه) ، وهكذا أصبحت (أمقته) تأكيدا للمعنى مصورا اعتمادا على التأكيد الصوتي الناتج من تكرار الحروف مرة أخرى في كلمة تحمل معنى العبارة السابقة.
في (
القارة الثامنة) نجد نمطا آخر من الثنائيات:

رمالك المتحركة
واحة شعري ..
وطوق النجاة
اليك ابياتي ..
التمس الماء
من بين عطشك ..
وآه من عطش النساء
مشطي وجهك ..
مكحلتي نظراتك
آه لو صرخت بكل
اشيائي ................
سالبس الشمس
لك ثوبا ..
والقمر شالا ......

يبدأ النص بثنائية تضاد مصطنعة (رمالك × واحة) فهذه ليست أضداد حقيقية ، انما هي من خيال الشاعرة وصناعتها ، فرماله المتحركة التي أشارت بها الى المزاج المتقلب للرجل ليست في تضاد حقيقي مع شعرها المليء بالثنائيات الضدية لكن صفة (واحة) التي ربطتها ب (شعري) هي التي صنعت هذا التضاد الموهوم. وآمنة تمتلك قدرة كبيرة في بناء التضادات الموهومة هذه ، في النص السابق نفسه تصنع تضادا وهميا آخر (شال × ثوب) اذ ليس هناك في الحقيقة أي تضاد بين الكلمتين لكنها تصنعه بقدرتها هذه من خلال ربط الثوب بالشمس والشال بالقمر فتوهمنا بتضادهما.
وفي (
إمرأة خارج التغطية) نجد أننا أمام التضاد من نوع آخر تماما ، تضاد نشعر به لكننا لا نجده بين الكلمات:

حبيبتي رحلتِ ولم ارتوِ بعد من جريان انهارك الجنة, رحلت وتركتي ينابيعي شحيحة تسأل عن فيض حنانك
حاولت ان اجدك في حب يعادلك فسخر الحب من ان اضعه بجانبك
اشتقت اليك امي! اتعبني الاشتياق, احن الى التراب من تحت اقدامك امرغ به وجهي لعله يشفي بعضا من جراحي
سلاما لك وعليك حبيبتي حتى نلتقي

مركز الثقل في السطر الأول هو كلمة (رحلتِ) التي تجعلنا لا نلقب كبير اهتمام الى هذا الحشد من الكلمات التالية التي تبني التضاد (أرتو ، جريان ، أنهار، ينابيع ، شحيحة ، فيض) ، لا يمكننا طبعا أن نعد هذه الكلمات أضدادا لأنها جميعا تدل على الارتواء فيما عدا كلمة واحدة هي (شحيحة) فأين يكمن (الجفاف) الذي يبني التضاد الذي نشعر به في هذه الجملة الطويلة؟
تحتال آمنة عبد العزيز بتكنيكات مبتكرة لبناء تضاداتها التي تكون لغتها الشعرية ففي تلك الجملة لجأت الى استخدام الواو العاطفة كأنها نقطة ارتكاز ميزان، بحيث أصبحت كلمة (رحلت) ذات الثقل الواضح في كفة والكلمات الدالة على الارتواء جميعها في الكفة الأخرى ، وهي هنا تصور قيمة الجفاف التي يمثلها رحيل أمها ، الجفاف الذي عبرت عنه بكلمة واحدة(رحلت) احتاجت الى عدد كبير من الكلمات الدالة على الارتواء بعد الواو العاطفة حتى شعرت انها كافية لبناء التضاد.

د. ثائر العذاري




Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...